الجمعة، 27 يوليو 2012

اليسار المصري في المرحلة الأخيرة . الجزء الاول



اليسار المصري في المرحلة الأخيرة
الجزء الأول
في البداية السطور القادمة هي عبارة عن محاولة صغيرة لشرح اليسار المصري وما به من مشاكل وما هي أسباب هذه المشاكل.
وان هذه المقالة وحتى الجزء الثاني منها الذي سوف انشره فيما بعد هم ضمن النقد الذاتي لليسار لكي نعلم ما بنا من أخطاء ونعمل على تصحيح هذه الأخطاء لكي نبني يسار مصري ثوري حقيقي .
.............................................................................................
بعد اغتيال الرفيق زكي مراد سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي المصري في أواخر السبعينيات , بدأ وقتها العديد من الشيوعيين المصريين في انحرافات عن الخط الرئيسي للماركسية اللينينية , فمن ناحية كان النشاط الطلابي وقتها في الجامعات ليس سئ ولكن كان أغلب مجهود هؤلاء الطلاب ضائع في اشتباكاتهم مع الطلاب الإسلاميين الذين كانوا يأخذون دعمهم الكامل من النظام , بالإضافة إلى صعوبة لغة الأوراق التثقيفية أو حتى أوراق الدعاية في وقت كان فيه الإسلاميون يقتحمون هذه المناطق بأموالهم التي يقيمون بها المعارض وبأوراقهم بسيطة اللغة . بالإضافة إلى أن الكثير من الشيوعيين وقتها كانوا واقعيين تحت تأثير عدم استمرار انتفاضة الخبز , فكانت انتفاضة الخبز انتفاضة عفوية كنتيجة طبيعية لسياسات السادات نحو إلغاء الدعم والانفتاح وغيرها من الانحرافات عن خط عبد الناصر وعن الإصلاحات التي قام وبها والتي تعتبر قريبة من الاشتراكية .
وكان اليسار وقتها وتحديداً الشيوعيين دور القيادة في هذه الانتفاضة , ولكن فهذه الانتفاضة كما ذكرت كانت انتفاضة عفوية دون أي تخطيط أو وجود برنامج , أو هدف أو حتى فكرة لديهم في السيطرة على السلطة وجعل مصر دولة اشتراكية حقيقية , ولكن كان الاكتفاء فقط بمجرد بعض الإصلاحات والرجوع بعض الشئ عن السياسة الاقتصادية للسادات والتي تمت العودة لها مرة أخرى . كان ما وصلت إليه الانتفاضة ومن بعدها المعاهدة وبعدهم اغتيال زكي مراد سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي المصري وقوة تيار الإسلام السياسي المستتر بالدين والمدعوم من النظام والداعم للنظام وسياساته , كل هذا أدى إلى حالة من الإحباط لدى الكثير من الشيوعيين المصريين , وأصبح أغلب هؤلاء الشيوعيين مقبلين على شرب الخمر وكانت أي لقاء لهم عادة ما تكون بها خمور أو كما يقال على يسار هذه المرحلة "يسار بارات ".
واسم يسار البارات هو بالفعل الاسم المناسب لليسار المصري في هذه المرحلة حيث كان أغلب ما يفعلونه هو السكر والترحم على الرفاق والترحم على أيام النضال .
والباقي كان عبارة عن أعمال لا جدوى منها تقريباً .
وأستمر الحال هكذا سكر وكلام كبير يصعب على الكثير من أبناء مصر فهمه بسهولة ومنذ الثمانينيات انتهى تحليل اليسار للوضع في مصر على أساس علاقات الإنتاج وأصبح التحليل قائم على أساس نسب الفقر والغنى  المعلنة من خلال الأمم المتحدة والبنك الدولي .
وكانت الحزب الشيوعي المصري يتلقى تمويله من الاتحاد السوفيتي ويرسل البعض من أعضائه للدراسة هناك أيضاً .
وكان التمويل يقدر بحوالي 3 مليون دولار سنوياً ومع ذلك لم يحدث أي عمل حقيقي لليسار وقتها فمن ناحية أخرى وبكل أسف كان اليسار المصري يسير بأوامر  الكرملين الذي اخذ ينحرف منذ وفاة يوسف ستالين ووصول المحرف خورتشوف للسلطة , والتي تسببت في ضربه ضربات قوية وكان نشاط الحزب الشيوعي المصري وقتها هو الذوبان داخل حزب التجمع العلني والتنظيمات الأخرى كانت تفتقد إلى التنظيم كمثل غيرها أو إلى المال الذي كان متوفراً لدى الحزب الشيوعي المصري.
وهكذا تمر الأيام حتى انتهت مرحلة الثمانينيات والتي كان بها بدايات اقتراب نهاية الاتحاد السوفيتي. وبدأت مرحلة التسعينيات والتي بدأت بداية قاسية جداً على اليسار الثوري وتحديداً من كانوا مرتبطين بالكرملين سواء في الوطن العربي او في العالم عموماً , وهي : انهيار الاتحاد السوفيتي الذي كان يمثل لكثير من الشيوعيين المصريين أو في العالم ككل قلعة الاشتراكية والذي يمد الكثير من الشيوعيين في هذا الوقت بالمال , كان لهذا ضرر كبير على نفوس العديد من الشيوعيين , فمن ناحية كانت المعركة الدائرة بين الشيوعيين بين الشيوعيين المصريين ومؤيدي الرأسمالية شبه هزيمة للشيوعيين وأصبح كثير من الشيوعيين وتحديداً من كان منهم المفترض انه لينيني (متبعي الاتحاد السوفيتي ) بليبرالي أو إصلاحي أو أعتزل العمل السياسي أو أصبح تروتسكي (حيث كان هناك مدعي اللينينية او غير التروتسكيين والماويين يسيرون وراء الاتحاد السوفيتي والباقي من لينينيين حقيقيين وماويين قد أدركوا الانحراف عن الخط الماركسي  اللينيني الذي قام به الاتحاد السوفيتي من بعد وفاة ستالين ووصول خورتشوف للحكم, ووقفوا ضده وضد التعامل مع الاتحاد السوفيتي المنحرف عن الماركسية اللينينية).
وكان هناك التروتسكيين الذين يعلنون عدائهم لستالين وفكره والاستالينيين (اللينينيين الحقيقيين ) وكانوا يعتبرون أن خورتشوف ومن جاء عده خلفاء لستالين ويطبقون فكره وأن الاتحاد السوفيتي حتى وبعد موت ستالين ووصول خورتشوف للحكم وبداية انحرافه عن خط ستالين وجومه الشرس على ستالين ظلوا يعتبروا أن الاتحاد السوفيتي ستاليني وأنه قلعة الاستالينية وبانهياره  انهارت الاستالينية وكانوا بالتالي يعتبرون أن انهيار الاتحاد السوفيتي انتصار لهم على الاستالينية , وكان هناك الإصلاحيين الذين يوجد أغلبهم داخل حزب التجمع أو غير منظمين الذين يعتبرون ذلك سواء هم أو الإسلاميين أو الليبراليين انهيار للشيوعية وسقوط لها. وبالرغم من أن الخلافات التي بينهم حول أسباب الانهيار إلا أنهم أجمعوا على أن هذا الانهيار هو انهيار للشيوعية . فمن ناحية الإصلاحيين (الاشتراكيين الديمقراطيين ) كانوا يروا أن السبب وراء هذا الانهيار هو التجربة الثورية والأفكار الماركسية اللينينية وأن الحل هو في الأفكار الإصلاحية وأن تأتي الاشتراكية من خلال انتخابات بعد فشل التجربة الثورية .
وهناك الليبراليين الذين رأوا أنه بذلك انهارت الشيوعية ودفنت ومعها الاشتراكية وأن العالم الأن كله رأسمالي وفشلت تحليلات كارل ماركس وفريدريك انجلز وفلادمير لينين , وان حتى وان كانت هناك أزمات في العالم الرأسمالي فهم قادريين على التغلب عليها .
وهناك تيار الإسلام السياسي الذي يرى انه بهذا الانهيار انهارت الشيوعية الكافرة وأفكار وتحليلات الكفار أعداء الله ورسوله .
وباختصار : التروتسكيين رأوا ان هذا هو انهيار للاستالينية والإصلاحيين رأوا أنه انهيار للشيوعية وللأفكار الثورية تحديداً التي ترى أن قيام الاشتراكية مرتبط بقيام الثورة, والليبراليين والإسلاميين رأوا انه انهيار للشيوعية ولتحليلات ماركس وانجلز ولنين . وهناك الشيوعيين الذين ساروا على نهج الاتحاد السوفيتي حتى بعد وصول خوترشوف للحكم وبداية الانحراف عن الماركسية اللنينية , هؤلاء كانوا في حالة صعبة وبعضهم استمر والبعض الأخر أصبح إصلاحي والبعض أصبح ليبرالي والبعض أعتزل ولكن كتاباتهم في هذه الفترة تدل على إحباط وتخبط شديد ولا يعرفون من يتهمو بالتسبب في سقوط الاتحاد السوفيتي فتارة يتهمون ستالين وتارة يتهمون لنين وتارة يتهمون الشيوعية . وهناك الاستالينيين (او الماركسيين اللينينيين الملتزميين ) ومعهم الماويين الذين يروا انه منذ سيطرة خورتشوف على الحكم أنحرف الاتحاد السوفيتي عن الماركسية اللينينية وبالتالي فإن سقوطه كان بسبب التحريفية وان ما سقط هو التحريف والانحراف عن الماركسية اللينينية.
وبعد أن شرحنا الحالة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ونظرة كل طرف يساري وغير يساري لهذا الأمر . في هذه الفترة ظهر تنظيم جديد يدعى مركز الدراسات الاشتراكية وهو الستار القانوني لحركة الاشتراكيين الثوريين (كمركز أفاق اشتراكية ستار قانوني للحزب الشيوعي المصري ). وكان مركز الدراسات الاشتراكية يتلقى تمويلاً ودعماً من حزب العمال البريطاني وهو حزب تروتسكي مثل هذه المنظمة , وكان هذا الحزب مقابل أعطائه التمويل لمنظمة الاشتراكيين الثوريين كان يعطيهم النصائح أو بمعنى أخر الأوامر .
وبالتالي فكان في مصر في هذه الفترة مركز أفاق اشتراكية وهو الستار القانوني للحزب الشيوعي المصري وهو من المفترض أنه صوت التيار الماركسي اللينيني ولكنه كان غير ذلك تماماً . وهناك مركز الدراسات الاشتراكية وهو الستار القانوني لحركة الاشتراكيين الثوريين وهو صوت التيار التروتسكي , وهناك حزب التجمع وهو حزب إصلاحي ولكنه يضم جميع الأطراف اليسارية وسيطر عليه الحزب الشيوعي المصري بشكل كبير من خلال تيار التجمع الموحد وهناك أيضاً داخل الحزب تيار أخر مكون من إصلاحيين وقوميين وبعض الماركسيين من أعضاء حزب التجمع موجودين خارج الحزب الشيوعي المصري , وهناك بعض التنظيمات الصغيرة كحزب الشعب أو الاشتراكي المصري . وهناك شيوعيين مستقلين لم يكونوا داخل أي تنظيم .
وكان الحزب الشيوعي المصري يضم أيضاً أشخاص لا يعرفون حقيقة هذا التنظيم من الداخل . 
وكان الحزب الشيوعي المصري منذ انهيار الاتحاد السوفيتي يتلقى تمويله من عدد من الجبهات التي كانت تمول من اجل ضرب اليسار كجهات صهيونية وكجهات من كردستان العراق وغيرهم وقد ذكر ذلك المناضل عطية الصيرفي في كتاب له . وكان هذا التمويل في مقابل عدة أمور أهمها الدعوة لحل الدولتين كحل للقضية الفلسطينية واتخاذ مواقف معينة من الصهيونية كموقف الحياد بالرغم من أن الشيوعية ترفض الصهيونية . أي انحراف عن الماركسية اللينينية وبالتالي يكون هذا التنظيم مهمته الإساءة للماركسية اللينينية التي هو يدعي انه يتبعها وفي الوقت نفسه يوافق على وجود الكيان الصهيوني الفاشي الذي يجب عليه الوقوف ضده طالما هو شيوعي.
وتمر الأيام والسنوات حتى قيام الانتفاضة الفلسطينية الثانية والتي جعلت الكثير يتعرفوا على مركز الدراسات الاشتراكية وحركة الاشتراكيين الثوريين لتنظيمهم مظاهرات تضامن مع الفلسطينيين وقتها , وأيضاً منذ هذا الوقت وحزب التجمع من خلال جناحه الشبابي والذي كان منتشراً بشكل جيد هو وحركة الاشتراكيين الثوريين في ارتفاع لعدد الأعضاء ولكن كان التجمع وصل لمرحلة وبعدها توقف بسبب بعض مواقفه .
ولكن هذه الفترة وتحيداً فترة بداية القرن الواحد والعشرين تميزت بان اغلب قوة اليسار داخل المراكز الحقوقية وباختصار هذه المرحلة والمستمرة حتى الأن مرحلة يسار المراكز الحقوقية . ولم تختلف الأمور كثيراً في اليسار حتى عام 2005 . فكان هذا العام هو بداية للعديد من الأمور.
ففي هذا العام ظهرت حركة كفاية وارتفع صوت هتاف "يسقط  يسقط  حسني مبارك". والذي بدأ منذ عام 2002 . ولكنه كان ضعيفاً حتى ميلاد حركة كفاية وارتفع صوت هذا الهتاف وانضم لهذه الحركة كثير من اليساريين وغير اليساريين وكان كثير من أعضاء الحركة من الشباب المبتدئ الذي يريد التغير في مصر كما أن في هذه الفترة كانت انتخابات الرئاسة المصرية   وقد ترشح لهذا المنصب العديد أمام مبارك ولكن كان هناك شخص ليبرالي يدعى "أيمن نور " وبالرغم من وجود العديد غيره ‘لا أنه كان المنافس القوي أمام مبارك , وكان يقف وراء أيمن نور العديد من المصريين الراغبين في التغيير بجانب الشباب الليبرالي , فكان هناك إسلاميين ومستقلين ويساريين , ولكنه قد خسر الانتخابات . وجاءت انتخابات مجلس الشعب التي كانت الأغلبية فيها للحزب الوطني وكان هناك 88مقعد لجماعة الأخوان المسلمين وكان هناك هزيمة كبيرة لحزب التجمع اليساري , حيث أن كثير من الدوائر التي كان يسيطر عليها الحزب فاز بها مرشحي جماعة الأخوان المسلمين الذين ترشحوا مستقلين بسبب حظر الجماعة . وكان هذا شبه إنذار بانهيار اليسار تماماً .
وفي هذه الفترة قد ارتفع بشكل ملحوظ استخدام شبكة الانترنت في التواصل بين شباب المعارضة من خلال المدونات وجروبات الياهو وكان هناك أيضاً تحرك عمالي كبير في هذه الفترة (مابين 2005 حتى قيام انتفاضة يناير في عام 2011)
فكانت النقابات والاتحادات المستقلة الغير معترف بها من الدولة والتي نشأت لتكون المنظم للنضال العمالي بدلاً من النقابات والاتحادات المسيطر عليها من الدولة , وكانوا ينظمون أضرباتهم ولكن كان اليسار المصري وقتها في حالة غياب عن الشارع وبالتالي ففشل في ربط نضال العمال الاجتماعي بالنضال السياسي أو حتى تنظيم نضال العمال بشكل جيد . وسار مع الإسلاميين والليبراليين والمستقلين في طريقهم ونسي العمال وتنظيمهم وأصبح قلة قليلة داخل الشارع حتى داخل الأحزاب كان لا يوجد أي تثقيف لأعضاء الحزب أو حتى الاهتمام بفعل ذلك وكان كل من يحاول تقوية التنظيم يفشل في ذلك.
وفي مارس 2008 (وهو العام التالي لعام شهد صعود قوي لحركة إضرابات العمال في مصر ). كانت هناك مشاكل بالنسبة لعمال العزل والنسيج بالمحلة الكبرى , وكان هناك عدد من الشيوعيين مستقلين عن التنظيمات يشكلون خلايا ومعهم بعض من أعضاء التجمع على رأسهم شاب ثوري وهو "أحمد بلال" كانوا ينظمون سوياً العمال , اتفقوا على تنظيم إضراب يوم السادس من ابريل . وكانت وجهة نظرهم في اختيار هذا اليوم هي أن يكون العمال جميعهم قد اخذوا رواتبهم بالحوافز وبالتالي يكون لديهم القدرة على مواصلة الإضراب لفترة قدر ما يتطلب منهم من أجل تحقيق هدف الإضراب .
ولكن في هذه الفترة كان قد علم العديد من أعضاء حركة كفاية وحزب العمل الإسلامي وعدد من الأحزاب والقوى الأخرى , ودعوا لإضراب عام في هذا اليوم وكان التركيز في دعوة القوى الأخرى (أي غير قوى العمال بالمحلة) من خلال جروبات الياهو والمدونات وجروبات الفيس بوك بالإضافة إلى الشارع ولكن كانت كبيرة من خلال الانترنت وضعيفة في الشارع , وحدث الإضراب ولكن كان ضعيفاً في القاهرة والإسكندرية وكان قويا في المحلة وسميت بانتفاضة لمحلة حيث كانت مظاهرات كبيرة داخل المحلة , ومطاردات أمنية شرسة وتم القبض على كل من شارك في سقوط صورة مبارك  وحتى من كان مكتفي بالتفرج فقط على المشهد وقتل عدد ما أبناء المحلة في هذه الانتفاضة وتم اعتقال احمد بلال هو وعدد من اليساريين هناك .
 وبعد هذه الانتفاضة ظهرت حركة شباب 6أبريل والتي انضم إليها العديد من اليساريين حتى الأزمة الأولى بالحركة عام 2009 والتي أدت إلى انسحاب العديد من اليساريين الذين كانوا بها .
كما تشكلت حركة المبادرة اليسارية  في هذه الفترة أيضاً كحركة ماركسية تهدف لتوحيد صفوف اليسار ولكن كان هناك ضربات قوية من الحزب الشيوعي المصري لها حيث كان عدد من أعضائها أعضاء سابقين بالحزب وكانوا يحاولون تطهير الحزب .
 ومرت هذه الفترة وكان كل فترة يتكون تنظيم جديد عادة ما كان يدخل بهم يساريين , وكان هناك حركة اجتماعية تدعى تضامن وهي حركة لها ميول يسارية وكان اغلب أعضائها ينتمون لليسار , وفي فبراير من عام 2010 كان قد عاد محمد البرادعي للقاهرة وكان قد برز اسمه قبل عودته بفترة ومعها الدعوة ليكون رئيساً للجمهورية , ولكنه بدأ في تأسيس الجمعية الوطنية للتغيير التي وضعت أسس التغيير من وجهة نظرها في تعديل ثلاث مواد من دستور 71 لوضع حد لتجديد مدة رئيس الجمهورية ولإلغاء حالة الطوارئ (أي إصلاحات في الدستور فقط لا غير) .
ومع بداية العمل في الجمعية الوطنية للتغيير كان بها حركة المبادرة اليسارية وأيضاً الحزب الشيوعي المصري وحركة الاشتراكيين الثوريين (ولكن المبادرة انسحبت من الجمعية بعد فترة قليلة ) وكان حزب التجمع بعدد من المحافظات المختلفة شارك بها .
كما تأسست في هذا الوقت حركة جديدة تدعى حركة الديمقراطية الشعبية (أو تمت أعادة أحيائها مرة أخرى في هذا العام ) وتعود جذور هذه الحركة إلى تنظيم حدتو (الحركة الديمقراطية للتحرر الوطني ) أو الحزب الشيوعي المصري الموحد ولكن بعد أن تم حل الحزب بأوامر من خورتشوف في الاتحاد السوفيتي كانت هذه المجموعة تحاول تنظيم نفسها وأسست التيار الثوري في الستينيات واستمر حتى السبعينيات ومن بعدها تمت إعادة الأحياء للحركة في عام 2010 وهي حركة أغلب أعضائها من الماويين وتتبع فكرة مشاركة القوى الوطنية في الثورة الوطنية الديمقراطية ومن بعدها القيام بثورة أخرى اشتراكية بواسطة الطبقة العاملة التي سوف تكون قد نشأت كما يجب أن تكون في هذه الفترة (أي أنهم أيضاً لا يمتلكون فكرة للسيطرة على السلطة أولاً ثم القيام من بعدها بالخطوات اللازمة ).
وفي أبريل من نفس العام بدأ المهندس كمال خليل (عضو مؤسس بحركة الاشتراكيين الثوريين والمدير السابق لمركز الدراسات الاشتراكية ) ومعه عدد من اليساريين بتأسيس حركة تدعى حركة حشد (وكان هناك عمل كبير بين الحركة وحركة الاشتراكيين الثوريين ) وكانت هذه الحركة مبنية على أساس اشتراكي وتضم ماركسيين لينينيين (ستالينيين ) وماويين وتروتسكيين ومن يؤمن فقط بأساس الفكر الاشتراكي , وكانت الحركة ترى أن التغيير المنشود ليس تغيير النخبة والكن تغيير الشارع وأنه لا يمكن أن يتم حصر التغيير داخل تعديل عدد من مواد الدستور وبعدها تحدث الانتخابات ولكن أيضاً بقي الأمر كما هو عليه دون التفكير في السيطرة على السلطة وأيضاً بدون عمل تثقيفي كبير في الشارع , وبدأت المشاركة في التحركات في الشارع من خلالها أحياناً تنظم وأحياناً تكون فقط تشارك ولكن أيضاً ليس لهم أي عمل من اجل توحيد نضال العمال الاجتماعي والنضال في الشارع من أجل التغيير السياسي
وبعدها بشهر وعدة أيام أي في شهر مايو وتحديداً في أواخر شهر مايو بدأ توحيد عدد من الشباب المنشقين عن حركة السادس من أبريل وغيرهم وبرعاية تيار التجديد الاشتراكي (مجموعة منشقة من حركة الاشتراكيين الثوريين ) شرعوا في تأسيس حركة وكان اسمها الأول (شباب الجمعية الوطنية للتغيير) وكانوا يحملون أهداف الجمعية الوطنية للتغيير وأضافوا إليها الأهداف الاجتماعية وكانت محاولة لربط النضال السياسي بالنضال الاجتماعي وضمت العديد من اليساريين ولكن كان أغلبهم تروتسكيين ,وبعدها تم تغيير الاسم إلى "حركة شباب من أجل العدالة والحرية ". وقد أعلنت عن نفسها في منتصف شهر يوليو .
وفي هذه الفترة (أي ما بين مايو 2010 حتى يوليو 2010) كان هناك حدث مقتل خالد سعيد في الإسكندرية وحدثت مظاهرات كبيرة في مصر كلها وكان اليسار يشارك بهذه المظاهرات . وكانت هذه الفترة فترة مظاهرات من وقت لأخر وتختلف في أعدادها وفي مطالبها وفي توجهات المشاركين بها , بالإضافة إلى وجود اعتصام لأهالي طوسون أمام وزارة الزراعة وكان لليساريين دور كبير في تنظيم اعتصام الأهالي من أجل أراضيهم التي نهبتها الدولة لصالح المستثمرين . وكانت المبادرة اليسارية هي أول تنظيم نظم الاعتصام ولكن تم فض الاعتصام في شهر أغسطس بعد القبض على منسق الاعتصام . وبعدها كان اتجاه العديد من اليساريين في تنظيم مظاهرات ذات طابع اجتماعي وكانت البداية في شهر أغسطس في يوم 9أغسطس تحديداً بمظاهرة ضد الغلاء أمام مقر مجلس رئاسة الوزراء بالقاهرة وكان من تنظيم كفاية وأفاق اشتراكية والاشتراكيين الثوريين وحشد وشباب من اجل العدالة والحرية وحزب الكرامة وغيرهم من القوى كالجبهة الشعبية الحرة (والتي أصبحت فيما بعد الجبهة الحرة للتغيير السلمي) ومن ضمنهم شباب 6أبريل والذين لم يحضرا المظاهرة ونظموا مسيرة غيرها بمنطقة أمبابة لجمع توقيعات لبيان التغيير وظل خالهم هكذا عندما يعلن عن تنظيم مظاهرة يقومون بمظاهرة في مكان أخر لجمع التوقيعات على بيان التغيير . حتى مظاهرة لا للتوريث يوم 21 سبتمبر والتي تمت الدعوة لها بشكل كشترك بين حشد وكفاية وبعدها انضمت لهم القوى الأخرى , وفي هذا اليوم ولأول مرة مذ وقت طويل ترتفع أعلام حمراء بهذه الكثافة بالإضافة للعدد الكبير ولكن قامت حركة السادس من أبريل وحركة شباب من أجل العدالة والحرية بتنظيم مظاهرة أخرى في الوقت ذاته .
ومن بعدها ظهرت مظاهرات كثيرة كان لليسار دور بها وكانت ذو طابع اجتماعي بشكل رئيسي أي أنهم أيضاً لم يحاولوا ربط النضال الاجتماعي بالنضال السياسي كعادتهم في كثير من الأوقات .
وجرت الأمور هكذا حتى بداية انتخابات مجلس الشعب والدعوة لها , وقد قرر العديد من القوى المقاطعة ودعوا للمقاطعة وكان حزب التجمع (الحزب اليساري العلني ) وجماعة الأخوان المسلمين وحزب الوفد الليبرالي قد شاركوا في الانتخابات ولكن كان التزوير يتم بشكل كبير مما أدى إلى انسحاب الأخوان والوفد قبل الجولة الثانية ولكن كان التجمع ينوي استكمال جولة الإعادة ولكن قبل اجتماع لجنته المركزية كان قد حدث تشاور بين عدد من أعضاء الحزب وكان أغلبهم يرفض مشاركة الحزب في جولة الإعادة مثلما كانوا يرفضون المشاركة في الانتخابات , ولكن في اجتماع اللجنة المركزية للحزب قد تقرر المشاركة في جولة الإعادة ولكن كان هذا القرار يعتبر باطلاً , وقد حاول عدد من أعضاء الحزب دخول الحزب وعقد اجتماع به ولكنهم تعرضوا لمضايقات أمنية في محاولة دخولهم الحزب ولكنهم اجتمعوا بمقر تيار التجديد الاشتراكي لبحث ما يحدث بالحزب في الفترة الأخيرة ,ونظم عدد من أعضاء الحزب اعتصام رمزي بالمقر المركزي للحزب بعد اجتماع اللجنة المركزية بيومين للضغط على قيادة الحزب من أجل الخروج من جولة الإعادة ولكن قيادة الحزب لم تستمع للأعضاء الذين يطالبون بالانسحاب.
كما اصدر الحزب الشيوعي المصري بياناً يهاجم فيه استمرار الحزب في جولة الإعادة وطالبه بالانسحاب من الانتخابات ومحاولاً تذكيره بنضاله الطويل , ولم يكن هناك تعليق رسمي من الحزب على البيان ولكن التعليق كان من بعض الأعضاء من بينهم رافضي دخول الحزب الانتخابات ضد هذا البيان لعلمهم بما يفعله الحزب الشيوعي المصري من تحريف .
وفي هذا الوقت تفاجئ الجميع بما بدأ يحدث في تونس وقد نالت الانتفاضة التونسية أعجاب العديد من اليساريين المصريين تحديداً والمصريين عموماً حيث شعروا بأن التغيير شئ ممكن حدوثه , وفي هروب بن علي خرج عدد من شبابا التغيير أمام السفارة التونسية  وعلى سلالم نقابة الصحفيين للاحتفال بالثورة التونسية .
ولكن قدر قرر العديد من شباب التغيير النزول يوم الخامس والعشرين من يناير في مصر لفعل تجربة مصرية مثل التجربة التونسية , ولكن لم يكن هناك أي أمر في تونس يدل على أنها ثورة حقيقية , فقط مظاهرات كبيرة وهروب للرئيس التونسي وأعتقد المصريون أن بهذا تكون الثورة وهم معذورون فالخطأ خطأ العديد من القوى السياسية وخصوصاً من تريد الثورة من عدة نواحي أولاً عدم شرح ما هي الثورة للناس وثانياً عدم طرح البديل وعدم امتلاكها لبرنامج ثوري, وقد أعلن حزب التجمع في موقفه الرسمي عدم المشاركة ولكن شبيبة الحزب (اتحاد الشباب التقدمي) أعلن مشاركته في المظاهرات وكذلك الحزب الشيوعي المصري أعلن نزوله ونزول مركز الدراسات الاشتراكية وحركة حشد , وكلن كان هناك العديد من اليساريين رفضوا النزول وهاجموا الدعوة ودعوا لدراسة التجربة التونسية والنظر إلى ما سوف يحدث بها والمقارنة مع العديد من التجارب والتركيز على رفع الوعي لدى الشعب المصري ووجود تنظيم ثوري وقيادة ثورية ورفضوا التحرك العفوي الغير منظم , ولكن لم يستمع أحد إلى هذا الرأي بل واتهموا من قال هذا بالعمالة للنظام ولجهاز أمن الدولة وقاموا بما كانوا يريدون به وتحركوا يوم الخامس والعشرين من يناير وتحرك معهم العديد من اليساريين من اتحاد الشباب التقدمي وشباب الحزب الشيوعي المصري وحركة حشد والاشتراكيين الثوريين وتيار التجديد الاشتراكي ولكن بعدها بيوم واحد كان عدد من رافضي النزول قرروا مشاركة الجماهير في الانتفاضة ونزلوا منذ يومها ولكنهم أصروا على تسمية هذا التحرك باسمه الحقيقي (انتفاضة ) وحاولوا تحويلها إلى ثورة حقيقية ونشر الوعي بين صفوف المنتفضين ولكن كانوا دائماً يتلقون الهجوم من الذين يخالفونهم الرأي .
وظلت الأمور هكذا حتى رحيل مبارك ومنذ هذا اليوم حدثت تغيرات متعددة داخل اليسار المصري سوف أشرحها بالتفصيل في الجزء الثاني من المقالة .
ولكن يمكننا القول بأن أبرز عيوب اليسار في هذه الفترة هي :
1 _ إهمال التثقيف .
2_ عدم وجود تنظيم ماركسي لينيني ثوري حقيقي منظم يستطيع قيادة الجماهير .
3_ عدم طرح بديل من أجل السيطرة على السلطة وكان كل التركيز على المشاركة في البرلمان بالإضافة إلى انحراف الحزب الشيوعي المصري , وحتى محاولات تطهير اليسار وعودته لدوره كانت قليلة أو لم تستطع الصمود بسبب الضربات التي تلقوها .
علاء الشرقاوي